الباكية (محمد مرزوقي)

بعد تنكّر الكثير للّغة العربيّة حتى أنهم صاروا يرونها لغة تخلّف وعلى الرّغم من أنهم لا يملكون من الفصاحة ما يمكّنهم من الحديث بها إلا أنهم يكابرون على تعلّمها و يفتخرون بالحديث باللّغة الفرنسية.
لهذا كان لا بدّ للعربيّة أن تعتزّ بنفسها و تبكي أهلها الذين فقدت و تذكّرهم بمحاسنهم علّهم يرجعون إليها.

البـــــاكــــيـــة

قَالَتْ وَ قَدْ جَلَسَتْ بِالقُرْبِ تَنْتَحِبُ

وَ خَدُّهَا بِدِمَاءِ اللَّطْمِ مُنْخَضِبُ

أُعْذُرْ بُكَائِي فَإِنَّ البَحْثَ أَرْهَقَنِي

أَدْمَى خُطَايَا..وَ بِتُّ التِّيهَ أَصْطَحِبُ

فَتَّشْتُ عَنْ أَلْسُنِ الأَعْرَابِ فِي بَلَدِي

وَجَدْتُنِي مِنْ حَدِيثِ العُجْمِ أَنْتَقِبُ

لَا أَهْلَ لِي فِي بِلَادِ العُرْبِ يَا أَسَفِي

لَا أهْلَ..إِنِّي لِذَاكَ الهَجْرِ أَنْتَحِبُ

رَاحُوا بَعِيدًا فَأَنَّى الآنَ أُدْرِكُهُمْ

وَ لَسْتُ أَدْرِي عَلَامَ القَومُ قَدْ ذَهَبُوا

فَهُمْ حُمَاتِي وَ بَعْدَ اللَّهِ هُمْ سَنَدِي

وَ إِذْ تَلَاشَوْا تَلَاشَى العَضْدُ وَ الطُّنُبُ(1)

هَلَّا خَبُرْتَ بِأَيِّ الدَّرْبِ قَدْ سَلَكُوا

لِلشَّرْقِ حَثُّوا الخُطَى أَمْ هَلْ تُرَى غَرَبُوا

لَهُمْ أَكَالِيلُ أَخْلَاقِ..لَهُمْ شَرَفٌ

وَ الجِسْمُ يَفْنَى إِذَا مَا مُزِّقَ العَصَبُ

هُمْ يَلْبَسُونَ عَمَامَاتِ القَنَاعَةِ..لَا

يُغْريِهُمُ المَالُ إِنْ سُحْتَا وَ لَا الذَّهَبُ

لَهُمْ جَلَالٌ وَ عِزُّ النَّفْسِ شِرْعَتُهُمْ

اَلأُمُّ فِيهِمْ وَفَاءٌ و َ الإِبَاءُ أَبُ

وَ الصِّدْقُ كَالشّـمْسِ نُورٌ لَيسَ يَحْجُبُهُ

زَيْفُ الكَذُوبِ وَ إِنْ كَانَتْ لَهُ سُحُبُ

هُمْ لِلسَّخَاءِ كَغَيْثِ اللَّهِ يُنْزِلُهُ

تَحْيَا بِهِ الأَرضُ..بَعْدَ الجَدْبِ تَخْتَصِبُ

هُمْ نَخْوَةٌ تَنْصُرُ المَظْلُومَ..تُخْرِسُهَا

آه ً لَهُ إِنْ أَغَارَ الضِّيمُ وَ الكُرَبُ

شُجْعَانُ حَرْبٍ إِذَا دُقَّتْ طُبُولُ وَغَى

أَخِيرُهُم ْفِي الصُّفُوفِ الأَوَّلُ الوَثِبُ(2)

مَاذَا أَزِيدُ وَ فَوقَ الوَصْفِ هُمْ سُرُجٌ

تُضِيءُ بِالأَرْضِ وَ العَلْيَاءَ قَدْ رَكِبُوا

لَكِنَّهُمْ عَنْ صُرَاحِ الصِّرْفِ قَدْ رَحَلُوا

وَ بِي حَنِينٌ وَ بِي جُرْحٌ وَ بِي تَعَبُ(3)

فَاحْتَرْتُ فِي أَمْرِهَا...مَنْ أَنْتِ يَا وَجَعًا

أَفَاضَ دَمْعًا غَدَا بِالآهِ يَنْسَكِبُ

رَاحَتْ بِمِنْدِيلِ أَحْلَامٍ تُضَمِّدُ جُرْ

حًا نَازِفَ الشَّوقِ...فِي أَعْمَاقِهِ لَهَبُ

أَنَا الّتِي فِي كَلَامِ اللَّهِ دُرَّتُهُ

وَ لِي بَيَانٌ وَ لِي سِحْرٌ وَ لِي أَدَبُ

أَنَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ جَوْهَرُهُ

و َمِنْ حُرُوفِي عُيُونُ الشِّعْرِ تَنْكَتِبُ

أَنَا سَلِيلَةُ أَشْرَافٍ...أَنَا لُغَةٌ

كَالبَحْرِ يَكْمُنُ فِي أعْمَاقِيَا العَجَبُ

فَهَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِي أَنْ أَكُونَ لَهُمْ

مِثْلَ الغَرِيبِ وَ هُمْ فِي الأَصْلِ هُمْ عَرَبُ

شرح:
1- الطُّنُبُ:الحبل الذي به يشدّ سرادق البيت.
2- الوثب: الأصل الواثب .
3- الصُّرَاح: الخالص من كلّ شيء
الصِّرْف: الخالص لم يشب بغيره.

محمد مرزوقي الإثنين17ديسمبر2018.