لحظات حرجة (ابراهيم مقدير)

لحظات حرجة
""""""""""""""""""""""
هم بالخروج ...وفي ردهة البيت إلتفت نحو المرآة يراقب هندامه، ويسوي ربطة العنق...كانت البذلة أنيقة كعادتها...لكنه بهت وتسمر واجما حين رأى بياض الشيب قد غزى لحيته..فمنذ ما يربو عن ثلاثة عقود او يزيد واجه مرآة في بيت والده وهو شاب فتي مفعم همة ونشاطا...وتأهب لإستلام وظيفته وإمضاء محضر تعيينه...
يومها تزين كعادته ببذلة بنفس اللون المفضل لديه، وتعطر بما يذكي النفوس أريجا ..لكنه كان أمردا مكتنزا،وها هو اليوم أضحى هزيلا تقلصت معه ثيابه...وراح يحملق في المرآة وقد مر أمامه طيف ماضيه ومحطاته وأيام بذله وعطائه. .
.فاليوم موعد إمضائه لقرار تقاعده ، وفي الأفق حفل تكريم خاص به في مؤسسة عمله ...
وعبثا راح يتخيل الهدية والكلمة المعدة في ذاك الحفل...ثم إنتكس فجأة وإمتعض حينما تذكر حالته بعد تقاعده سيما وأنه لا يتقن أية حرفة ..وليس لديه أي مورد عدى معاشه...
وحتى أصحابه وانداده هذا غير الوجهة وذا إشتغل بالكسب وذاك قد أنهكه النصب وآخر قد قبر تحت الترب...
كل هذه الوساوس والمخاوف نغصت عليه فرحته ومما زاد الطين بلة حين نادته زوجته وهو على عتبة الباب ...لقد نسيت نظارتك، ثم أدرك يقينا أن العمر كالبصر لابد له من قصر....وأن الجهد ككومة الثلج لا بد أن تذوب من شدة الحر..
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
أرجو ألا أكون قد عكرت صفو كل مودع لملف تقاعد في كل مهنة..
"""""""""""""""""""""""""""""""""" إبراهيم مقدير