ما لم تقله السمراء ( للشاعر نور الدين العدوالي)

مَا لَم تَقُلهُ السّمراءُ !

لَم تستطِع أن تبوح بما يضطرم من نيران في أعماقها ربما حياءً ، أو خوفًا ، أو كبتًا ، أو استدراجاً ...و قالت عيناها كلّ شيء ، رغم أنها لم تقُل شيئا ، فَأَرَحتُها ، و كفيتُها عَناءَ الكلام ، و مَن يفهمُ لُغة العيون أكثرَ من شاعِرٍ مثلي؟! ، فقلت:

تَهادَت تَبوحُ في دَلالٍ جميلتي:
أَأنتَ الّذي أَضَعتُ فيه سَفينَتي ؟!
مَجاديفُ زورَقي تَلاشَت و ها أنَذا
أُداري أساريري و أنسى عَزيمَتي
فَكَم قُلتُ لا أعودُ للذّكرياتِ ، لا
مُحالٌ ، و لكِن فيكَ ضَيَّعتُ حِيلتي!
إليكَ تَتوقُ رَغمَ أنفي مَطامِحي
و تبني لِعينَيكَ جُسورًا ضَفيرتي
فَشُدَّ الوثاقَ يا " كُبَيدي" فإنّني
لأجلِ الهوى تَرَكتُ خَلفي عَشيرتي!
رَميتُ وراءَ الشّمسِ قَهرًا دفاتري
و مَزّقتُ يومَ ذاكَ فورًا جريدتي
دَعَوتُ الإلَهَ في ركوعي و سَجدتي
و تلكَ المُنى كَتَمتُها في سَريرتي
يُخَلّيكَ رَبّي لي حَكيمي و عالِمي
فَقَد أفقَدَ الهُيامُ سِحرًا بَصيرتي
فَيا شاعِري تَسابَقَ الهائمون في
غَرامي و ماتوا عِندَ بابِ قبيلتي!
و ما تِلكَ شِيمَتي و لَكِن هُوَ الهَوى
يُنـــادي شَراييني تَثورُ سَكينَتي
فِداكَ الفُؤادُ يا دَلالي فَما الجَوَى
إذا لَم أَذُب عِشقًا فَقُل: يا سميرتي!
وإن كان قَد أفناكَ شَكٌّ فَخُذ يدي
و حَلِّق بِآهاتي تَجِدها وَسيلَتي!
تَعالَ أيا بَدرًا أُواري* هَواجِسي
بِعَينَيه لَيلاً حينَ تَحلو قصيدَتي!
وَ طِر بي كَعُصفورٍ يُلاقي مَصيرَهُ
وَ خُذني إلى أَنأى * إذًا مِن جزيرتي!
إلى حيثُ يكتوي " قُلَيبي" صَبابَةً*
إلى مَن يُداويني لِأنسى جَريرَتي *
فَما كُلُّ مَن غَنّى مُوَالًا * بِعاشِقي
و لا مَن تَباكى فِيَّ أدرى بِطينَتي
و مَن يَقتَرِب مِن سُورِ حِصني مُغامِرًا
يَذُق جَمرَ ناري إذ يُجاري عَريكَتي *
هُوَ الشِّعرُ لي أُنسٌ و غُنجٌ* و مُشتَهى
و يا وَيحَ قلبي حينَ يُصغي: جميلتي!
فَيا فارسي إن كنتَ حَقًّا مُحارِبي
فَذُد عن تفاصيلي و قُل : يا دليلتي!
أكُن حيثُ شِئتَ لا أبالي بِمَقتَلي
فــلا تَبتَئِس وَ نَادِ دومًا: حبيبَتي!!!

نورالدين العدوالي / عين البيضاء / الجزائر

30/01/2018
هامش:
*أُوَاري: أُخفي
*أنأى: أبعد - منطقة نائية: بعيدة
*صبابة: شوق و رقّة و وَلَع شديد
*جريرتي: ذنبي - جنايتي
*مُوَالًا: تخفيفًا ل" مُوّالا" : مقطع صوتي
*عريكتي: نفسي ، يُقال: " شديد العريكة" أي: شديد النّفس.
*غُنج: دلال