حياة بالتقطير ح 29 (طارق سليماني)

#حياة بالتقطير
الحلقة 29
أنهت فتيحة حوارها مع نجوى وهي عند باب المستشفى واذا بها تلمح محمد وهو يركن سيارة الأرجح أن تكون لصديقه يرحمها أمامها فركبت وعيناها ترقص من الفرحة فانقض عليها محمد بالسؤال : هاه !! ما الاخبار سبع ام ضبع ؟ فابتسمت فتيحة ابتسامة عريضة و هي تصرخ : لقد وقع البروفيسور سلاب على الملف وأرسل ليتم ادراجه في أشغال اللجنة الثلاثاء القادم ..فلم يعبأ محمد بجموع المارة و الراجلين واحتضن أخته من فرط فرحته ثم قبل جبينها والدمعات تنهمر على خده فماكان منها إلا أن بكت معه كيف لا وهي ترى عزيزها الغالي يرنو لحالها و يفرح لفرحتها.
كم هو عسير وقع القهر يا اخوان كم هي طويلة و طاحنة لحظات تحس فيها بغدر الإنسان آدميتك ، مرضك معاناتك لا بابه لها المتملقون لا يستشعرها المتعنتون لكن الله قريييب ويحفك دوما بمن يمسح عنك كدرا رسمه القاسون هي حال هذه المريضة سدت الابواب في وجهها وارتطمت بعجرفة الأطباء و متقلبي الأهواء لكن العزيز المقتدر انتشلها و حتما سيكون ربيعها قادم و قريب .
في اليوم الموعود يوم الثلاثاء كان ملف فتيحة على طاولة لجنة التكفل للعلاج في الخارج وكان الاجتماع برئاسة البروفيسور عنتر أخصائي جراحة رجل سمين الجسم امرد الوجه مدخن بشراهة يقال إنه صعب المزاج ولا ينطق حرفا بالعربية يهوى علية المناصب ويتقرب لأصحابها وهذا طبع اغلب أباطرة الطب في هذا المستشفى البائس ، جلس الجميع فنطق المقرر rapporteur : الملف رقم 4115 لصاحبته عبد العزيز فتيحة ، RCUH , خزان اصطناعي بمقاييس صغيرة و غير مطابقة مما أدى لمضاعفات حالات اغماء التهابات وتعفن في مخرج الخزان هذا ملخص تقرير البروفيسور سلاب الذي خلص إلى إجبارية ارسال الحالة للخارج في اقرب وقت ، فتح الرئيس الجلسة فأخذ الدكتور سليم بلحربي الكلمة وهو طبيب شاب مختص امراض داخلية مازالت فيه نفحات الانسانية : لقد اطلعت على الملف سيدي و فحصت المريضة وأقل ما يقال ان الحالة مستعجلة والوقت ليس في صالحنا لذا أرى أن إرسالها للخارج أمر حتمي ، ثم نطقت الدكتورة بشرى نايلي الكلمة طبيبة نظيفة تحب مهنتها ويحبها المرضى تحاول مقاومة سيل الرداءة و الفساد في مصلحتها : فحصت الملف و تكلمت مع الدكتورة عمامرة حول تفاصيل العملية فاستخلصت أن العملية الأخيرة لتركيب الخزان كانت فاشلة بكل المقاييس ...قاطعها البروفيسور عنتر : ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ؟ اتريدنني أن أكتب أن جراحا من مصلحتي ( الجراحة ) قد فشل في عمله لارضيك يا دكتورة !!! فردت الدكتورة نايلي بنبرة حادة : لسنا هنا لاخفاء الحقائق انها ارواح ناس يا سيدي ،فثارت ثائرة البروفيسور عنتر واستشاط غضبا : من انت ايتها الحشرة كي تعطيني دروسا ومواعظ ؟ انسيت نفسك ؟ نايلي : لست هنا لاعطيك دروسا انا هنا لاؤدي واجبي تجاه المرضى ،هذه المريضة لن تخرج للخارج على نفقتك وما دمت متعنتا فلن يشرفني الجلوس معك في مكان واحد ،فتشوا عن عضو آخر ليمضي لكم على محضر الجلسة ...ثم نهضت ساخطة و هي تجمع كناشها و الاقلام أمام مرآى الدكاترة الاعضاء ،كل هذا لم يمنع عنتر من مواصلة عنترياته و هو يصيح : اذا دخلت هذا المستشفى و لم تعرفي البروفيسور عنتر فاسالي عنه جيدا ، فأجابته نايلي و هي خارجة : لحسن الحظ اني عرفتك دون أن أسأل عنك لاحذفك من راسي ، قالت هذه الكلمات ثم خرجت و هي تغلق الباب بقوة دوى صوته ارجاء الرواق .
بقي الأعضاء يحملقون في هذا الرئيس المتعجرف فانفجر في وجوههم : ماذا بكم ؟ لما تنظرون الي هكذا ؟ سنمر الى الملف الموالي واكتب ايها المقرر في ملف فتيحة عبد العزيز " مرفوض " ...كل معاركك قفزاتك تحايلاتك كل مشاويرك و مكالماتك كل اناتك و ضجراتك كل دفعة من سواعد الاحباب كل جهود صبت من الصحاب ستذروها الرياح بكلمة " مرفوض " ...كانت فتيحة في هذا اليوم تتابع مجريات الجلسة من منزل هيام عبر الهاتف : الو اهلا يا الزهرة ( سكرتيرة البروفيسور سلاب ) كيف الحال ؟ الزهرة : الحمد لله ،فتيحة : ما الاخبار هل من جديد عن الجلسة سكتت الزهرة سكوتا مطبقا ثم ردت بصوت خافت : لقد أكملوا الجلسة قبل لحظات وبلغني أن شجارا وقع بين الدكتورة نايلي و البروفيسور. عنتر حول ملفك !! فقد استقصيت الأمر من الممرضة آمال ( سكرتيرة البروفيسور عنتر ) فتيحة : و ماذا كان القرار الأخير ؟ الزهرة : لقد تعنت هذا السرير و رفض أن يمرر ملفك يا عزيزتي !!! فتيحة : ماذا ؟ كيف يفعل ذلك و قد أعطاني البروفيسور سلاب وعدا قاطعا يان يضمن مرور الملف في اللجنة !!! سارعت فتيحة لقطع الخط مع الزهرة و اتصلت بالسيدة نجوى لكنها لا تجيب كررت الاتصال مرات و مرات لكن لا جدوى من ذلك ...ما هذا يا الاهي اي نحس هذا ؟ بمن ستتصلين من غير نجوى ؟ معمري ؟ هي نفسها قالت واقرت أن ليس لها باع في كواليس الإدارة ولن تفيدك في شيء ،ترددت قليلا لكن محمد شجعها للاتصال بالدكتور بلقايدي فلديه أطراف الخيوط وفي يده تحريكها لصالحك ،طلبته فتيحة إلا أن المجيب كانت السكرتيرة التي ردت بأنه في مهمة مع السفير في تولوز و لن يعود الا بعد اسبوع !! وبينما فتيحة جالسة مع اخوها محمد واختها هيام يفكرون في إيجاد المخرج و اذا بنجوى تطلبها : الو فتيحة اهلا بك لقد وجدت سيل مكالماتك اعذريني نسيت جوالي في السيارة ..ما الامر ؟ فتيحة : اغيثيني يا نجوى رئيس اللجنة عنتر رفض توقيع ملفي و تعنت في ذلك ،نجوى : ماذا تقولين ؟ اسمعي اقفلي الخط و انا ساتدبر الأمر و لن تكوني الا راضية ،ردت فتيحة وبوادر الإحباط غشت كلماتها : و ما العمل يا نجوى ؟ كيف السبيل لإقناعه ؟ نجوى : التكفل بعلاجك في الخارج لن يكون من جيبه حتى نقنعه و ليس هذا ميراث أبيه ..الى اللقاء يا فتيحة ثم أقفلت الخط تاركة فتيحة تضرب اخماسا باسداس و تندب حظها التعيس لكن هيام هدأت من روعها و قالت : استغفري ربك يا فتيحة و اتكلي عليه فإن تضيعي ،انهضي يا أختاه فصل ركعتين وادع مولاك فوالله سينصرك لا محالة .
في الطرف الآخر امتطت نجوى سيارتها وانطلقت بسرعة جنونية نحو المستشفى ركنت أمام مصلحة الجراحة ...وهاهي تصرخ بعلو صوتها : بروفيسور عنتر ...بروفيسور عنتر أمام استغراب الوقوف و القاعدين من المرضى أطباء و ممرضين ولم يجرؤ احدا أن يكلمها حتى خرجت الممرضة ولها سابق معرفة بهذه المرأة الشرسة : اهلا يا سيدة نجوى ما الامر ؟ نجوى : اين رئيسك ؟ آمال : أنه في المكتب يجري مكالمة هاتفية ،فاسرعت نجوى في خطاها صوب المكتب حاولت آمال أن تمنعها فدفعتها بشدة وهي تقول : ابتعدي عن طريقي والا ضربتك ،ثم اقتحمت مكتب عنتر فوجدته غارقا في مكالمته فهي واقفا وقال : من سمح لك بالدخول ؟ آمااال آماااال ..دخلت آمال مرعوبة وهي تصيح : لقد دخلت بالقوة يا دكتور و لم استطع منعها ،عنتر : اطلبي الأمن ليطردوها ، ضحكت نجوى ضحكة المتمكن و ردت : اطلبي معهم الشرطة و وكيل الجمهورية لنجلس مع رئيسك جلسة حميمية و نناقش ملفاته البديعة والمتنوعة من رشاوي الى تهريب الأدوية و عتاد المستشفى و نختمها بإجراء عمليات لحسابه بعتاد المستشفى دون ترخيص ...هل اكمل ام انتظر حتى وصولهم يا راعي الطب في الجزائر !!!! تسمر عنتر و انتفخت عروق رقبته و تصبب العرق على وجنتيه فقد صدم وهو يسمع هذه الكلمات جحظت عيناه ولم يقو حتى على أن يبلع ريقه ، اقفل الخط مباشرة ثم أمر آمال بالانصراف والاب الباب ، تبدلت نبرته و أخذ سيدي عبارات الترحيب المنمقة لنجوى لكن نجوى ردت عليه باستحقار كبيييير : لست هنا لتضايفني ايها الوغد ، اسمعني جيدا ملف المريضة عبد العزيز فتيحة تمضي له بالموافقة حالا و ترسله لصندوق الضمان الاجتماعي لاتمام اجراءات سفرها و تشرف على ذلك شخصيا وأبلغني بانهاء الإجراءات في حينها والا قسما بمن رفع السماء بغير عمد تجعلك تمضي ما بقي من عمرك و انت تتأمل في شهاداتك مكالمة صغيرة لوزير الصحة الطاهر خلود وتسليم ملفاتك الوسخة لنقابة الأطباء تجعلك نادلا في سجن البرواقية ….
وقف عنتر مذهولا يترنح في مشيته فتح خزانة الملفات و اخرج ملف فتيحة و يداه ترتعشان امسك قلمه الفرنسي الفاخر وامضى الموافقة ثم ختم عليه "مقبول " نادى آمال فدخلت عليهما فقال لها : ارسليه حالا لصندوق الضمان الاجتماعي ...نظرت نجوى فيه بعد ذلك و قالت بوحشية صارخة : هوايتكم دعس المستضعفين ايها الوقح !! والله إن لم تذهب هذه الفتاة إلى الخارج ستجعلك تقبع في زنزانة حتى تنبت على جسدك الطحالب يا عار الأطباء .
اي نخوة تسري فيك يا رجل ؟ ومرأة تعتريها الشراسة تمسح بكرامتك بلاط المكتب، صدق من قال لكل فرعون موسى وليت موساك كان رجلا .
امض يا ملف مرة أخرى إلى إدارة أخرى ومشوار اخر فيا ترى اي ادراج ستتلقفك و اي اقلام ستمضيك ؟…..يتبع
Tarek Slimani 30/01/2018